الهيمنة من السماء: قوى التفوق السيبراني الرقمي في حسم الحروب

 

 

د. سلطان بن سالم العيسائي

في الحروب الحديثة لم تَعُد أصوات المدافع والدبابات هي مؤشر بداية الحرب، بل أصبحت الحرب تُخاض وتُحسم على شاشات الحواسيب وفي الأجواء بطائرات مسيّرة وصواريخ ذكية لا تُرى، والصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل قدّم مثالًا صارخًا على طبيعة الحروب الحديثة؛ حيث فشلت المنظومات الدفاعية المتطورة الإيرانية في صد الهجمات، بينما لعبت الهجمات السيبرانية والتقنيات الذكية، والأدوات الخفية: كالاغتيالات الدقيقة بطائرات بدون طيار، وصواريخ ذكية مزوّدة بأنظمة توجيه تعتمد على الذكاء الاصطناعي دور البطولة، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام في مايو 2025، فإن أكثر من 60% من العمليات العسكرية الحديثة تُفْتَتَح بهجوم سيبراني قبل أي تحرك تقليدي.

وفي أول يوم من الهجوم الإسرائيلي على إيران، نَفَذَّت إسرائيل هجومًا سيبرانيًا مُعَقَّدًا نجح في تعطيل شبكات القيادة والتحكم الخاصة بأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، مثل "باور 373" و"تور-إم1"، ومنظومة S-300 الروسية لمدة 27 دقيقة على الأقل، وهذه الفترة الزمنية القصيرة كانت كافية لمرور أسراب من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز دون اعتراض يُذكر.

وعلى الرغم من تَعَدُّد طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي، والتي تُعد من بين الأكثر تقدمًا عالميًا، نجحت الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة في الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مخترقة شبكات الحماية مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داود" و"السهم 3" و"ثاد"، والسرّ وراء هذا الخرق لا يكمن في ضعف تلك المنظومات؛ بل في الاستراتيجية الذكية التي انتهجتها إيران، والمتمثلة في "الإغراق العددي المتنوع" من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة، مِمَّا أربك الأنظمة الدفاعية التي تعتمد على تحليل التهديد وتحديد الأولويات ثم الاعتراض.

كما نُفذ الهجوم بتنسيق زمني دقيق؛ حيث سبقت دفعات من الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة دفعات الصواريخ؛ بهدف استنزاف قدرات الاعتراض قبل وصول التهديدات الأشد، ونجحت بعض الصواريخ في الوصول إلى أهداف داخل إسرائيل، بعضها أصاب مواقع عسكرية ومطارات. وتؤكد هذه التطورات أن حتى أقوى أنظمة الدفاع لا يمكنها مجاراة هجمات جماعية مُنَسَّقَة تعتمد على التنوع والإغراق، وأن قواعد الاشتباك العسكري باتت تتطلب إعادة تقييم شاملة في ضوء تصاعد كفاءة الهجمات غير التقليدية.

وفي ظل هذا التحول الجذري؛ فالدرس الأبرز يبدو أن تعريف "النصر العسكري" قد تغيّر؛ فالنصر لم يعد يعني دخول الدبابات للعاصمة؛ بل يكفي أن تُعَطَّل دفاعات العدو، أن تُطفأ راداراته، أن تُشَل قُدراته، وكل ذلك قد يحدث في صمت... وبدون طلقة واحدة.. هذه هي الحرب الجديدة.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة